قـــــــوم بهت

قوم بهت
حكمت الحريري

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أرض يخترف، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول شروط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك، أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني. فجاءت اليهود، فقال النبي - صلى الله عليه و سلم -: أي رجل عبد الله فيكم؟ قال: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه. قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. [رواه البخاري].
معاني الألفاظ:
يخترف: يجتني الثمار.
نزع الولد: أي جذبه إليه.
جاءت اليهود: عشيرته من بني قينقاع.
بُهُت: جمع بهيت على وزن قضيب وقضب وقليب وقلب، وقوم بهت: أهل غدر وكذب وفجور.
أول أشراط الساعة: أي العلامات التي يعقبها قيام الساعة.
زيادة كبد الحوت: الزيادة هي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد، ويقال إنها أهنأ الطعام وأمرأه.
أحكام فقهية ودروس مستفادة من الحديث:
1 وجوب التعرف على أصحاب الدعوات ومناصرة الدعاة الصادقين.
2 وجوب الإيمان برسالة محمد - صلى الله عليه و سلم -.
3 من علامات نبوة محمد - صلى الله عليه و سلم - إخباره عن بعض الأمور الغيبية.
4 عداوة اليهود لجبريل - عليه السلام - من الملائكة.
5 من عادى جبريل فقد عادى الله - تعالى -: من كان عدواً لله وملائكته وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [البقرة: 98].
6 بيان سوء أخلاق اليهود وفساد عقيدتهم وأنهم أهل كذب وغدر وفجور.
7 ليس لليهود عهد ولا ميثاق لأنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور.
8 اهتمام المسلم بأمور الآخرة وتعرفه على ما يتصل بذلك كمعرفته بأشراط الساعة.
9 بيان مكانة عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - وذكر مناقبه.
10 جواز استعمال الحيل المشروعة للتوصل إلى المقصود.
في تأويل مختلف الحديث:
الحديث الذي هو موضع بحثنا جاء فيه أن أول أشراط الساعة "نار تحشر الناس من المشرق" وفي حديث آخر عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: اطلع النبي - صلى الله عليه و سلم - علينا ونحن نتذاكر فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها. ونزول عيسى بن مريم - صلى الله عليه و سلم -، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم"[1].
وجواب هذا التعارض أو الاختلاف ما ذكره ابن حجر - رحمه الله - في الجمع بأن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلاً بل يقع بانتهائها النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا[2].
عبد الله بن سلام وذكر مناقبه:
صحابي جليل، كان اسمه الحصين ولما أسلم سمّاه النبي - صلى الله عليه و سلم - عبد الله، من سلالة يوسف - عليه السلام -، كان حبراً عالماً في اليهود، سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم وخيرهم وابن خيرهم، كان حليفاً لبني الخزرج، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين، له أحاديث وفضل[3].
عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه و سلم - يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله الآية[4].
وعن قيس بن عباد قال: كنت جالساً في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوّز فيهما، ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول مالا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي - صلى الله عليه و سلم - قصصتها عليه ورأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، فأتاني مِنْصَف (أي خادم) فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة، فقيل لي استمسك، فاستيقظت وإنها لفي يدي. فقصصتها على النبي - صلى الله عليه و سلم - فقال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت، وذلك الرجل عبد الله بن سلام[5].
حيلة مشروعة:
الحيلة هي ما يتوصل به إلى المقصود بطريق خفي وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة، وضابطها إن كانت للفرار من الحرام والتباعد من الإثم فحسن، وإن كانت لإبطال حق مسلم فلا، بل هي إثم وعدوان[6].
لما أعلن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - إسلامه عند رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك تغيبني عنهم ثم تسألهم عني كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فأدخلني في بعض بيوته، فدخل عليه اليهود فكلموا رسول الله - صلى الله عليه و سلم - وسألوه فقال لهم: أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا، قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت: يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله وأؤمن به وأصدقه وأعرفه، قالوا: كذبت، ثم وقعوا فيّ، فقلت يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور[7].
ولا ينبئك مثل خبير:
أجل قد عرفت أخي المسلم أن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - كان حبر اليهود وعالمهم وسيدهم وابن سيدهم وأفضلهم وابن أفضلهم، وقد عرفت شهادة بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - أنه من أهل الجنة كما أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، فما أظنك بعد هذا في شك أو ارتياب مما قاله عبد الله ابن سلام في اليهود: "إنهم قوم بهت أهل كذب وغدر وفجور" من كان معروفاً بالكذب والغدر والفجور فهل له عهد أو ميثاق؟!! من كان معروفاً بالبهتان هل يكون وفياً أو ملتزماً بوعوده؟ وهل يكون ذا أمانة وإحسان؟! أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون [البقرة: 75 76].
وأذكر فيما يلي شيئاً من أخلاق القوم وعقائدهم، ثم أتبعها بالأدلة من كتاب الله - تعالى - ثم أذكر بعض النصوص من كتابهم الذي يتعبدون به:
1 فقد وصفوا الله - تعالى - الله عما يقولون علواً كبيراً بالبخل والفقر والندم والتعب.
2 عداوتهم لجبريل - عليه السلام - من الملائكة مع أنه ما من نبي أوحى الله إليه وحياً إلا بواسطة جبريل - عليه السلام -.
3 تشنيعهم على الأنبياء وعصيانهم لأمرهم الذي هو من أمر الله وقتلهم لبعضهم واتهامهم بشتى التهم.
4 الثواب والعقاب عندهم إنما يكون في الحياة الدنيا وعدم اهتمامهم باليوم الآخر.
5 يعتبرون أنفسهم أنهم شعب الله المختار وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وغيرهم من الشعوب مسخر لخدمتهم وعبوديتهم.
وإليك الدليل:
أ من القرآن الكريم:
قال - تعالى -: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين [المائدة: 64].
وقال - تعالى -: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق [آل عمران: 181].
وقال - تعالى -: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير [المائدة: 18].
وقال - تعالى -: قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين [الجمعة: 6 7]. وقال - تعالى -: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا [البقرة: 96].
وفي بيان أذيتهم للأنبياء قال - تعالى -: فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً. وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً. وقولهم إنا قتلنا المسيح بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً [النساء: 155 158]. وقال - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً [الأحزاب: 69].
وفي بيان عداوتهم لجبريل - عليه السلام - قال - تعالى -: قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين. من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [البقرة: 97 98]. وفي بيان نقضهم للعهود والمواثيق وتحريفهم للكلم وخيانتهم قال - تعالى -: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين [المائدة: 13]. وقال - تعالى -: من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين، ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً [النساء: 46]. وغيرها من الآيات كثير.
ب نصوص من أسفار اليهود[8] تبين عقائدهم وأخلاقهم:
يقول في سفر التكوين: (فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال: أطلقني لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال له: ما اسمك فقال يعقوب، فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت... فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً: لأنني نظرت الله وجهاً لوجه ونُجَّبَتْ نفسي"[9].
وعن ندم الرب وغضبه يقول في سفر الخروج: "اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم" فيقول موسى للرب: ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر الذي أردته بشعبك... فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه"[10].
ويزعمون أن الله - تعالى - يغفل عن حالهم فينخونه، ففي العشر الأول من الشهر الأول في كل سنة يقولون في صلاتهم: "لم تقول الأمم أين إلههم؟ انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك"[11].
ويتهمون لوطاً بالزنا بابنتيه بعد أن سقتاه خمراً أعاذه الله من قولهم: "وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض، هلم نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها"[12].
وعن إنكارهم للبعث والنشور يقول في سفر أيوب: "هكذا الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد لا يرجع بعد إلي بيته ولا يعرف مكانه بعد" ويقول: "إلى أرض ظلمة وظل الموت أرض ظلام مثل دجى الموت وبلا ترتيب وإشراقها كالدجى"[13].
ويقول في سفر الجامعة: "لأن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة وحادثة واحدة لهم، موت هذا كموت ذاك ونسمة واحدة للكل، فليس للإنسان مزية على البهيمة لأن الكل باطل يذهب كلاهما إلى مكان واحد كان كلاهما من التراب وإلى التراب يعود كلاهما، فرأيت أنه لاشيء خير من أن يفرح الإنسان بأعماله ذلك لأنه من يأتي به ليرى ما سيكون بعده كل ما تجده يدك لتفعله فافعله بقوتك لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية التي أنت ذاهب إليها"[14].
وهذه الحقيقة يؤكدها المؤرخ الأمريكي "ول ديو رانت" فيقول: "على أن اليهود قلما كانوا يشيرون إلى حياة أخرى بعد الموت ولم يرد في دينهم شيء عن الخلود وكان ثوابهم وعقابهم مقصورين على الحياة الدنيا"[15].
وعن قسوتهم واستعبادهم للشعوب يقول في سفر التثنية [الإصحاح 20]: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف" [16].
وفي سفر يشوع الإصحاح الأول يقول: "كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات" [17].
ويسعون في الأرض فساداً:
اليهود بيت المكر والخديعة والحيل، وماذا تؤمل من أمة قدحت في معبودها وإلهها ونسبته إلى ما لا يليق بعظمته وجلاله، ثم ماذا ترجو من أمة رمت أنبياءها بالعظائم والموبقات وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين [الصف: 5].
ونسبت عيسى بن مريم - عليهما السلام - إلى أنه ساحر ونسبت أمه إلى الفجور، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، وحرفوا الكلم عن مواضعه فهم منحرفون في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين.
فما من فتنة في الأرض أو مصيبة نكبت البشرية إلا وكان اليهود من ورائها فالسبأية، والنظرية الماركسية الشيوعية، والدارونية والنوادي الروتارية وما يتبعها من الماسونية والنوادي المنسوبة إلى الحيونات، وتأسيس البنوك الربوية... والأعور الدجال الذي سيظهر ويدعي الألوهية ويتبعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان وغير ذلك من نكبات ألمت بالبشرية.
ضربت عليهم الذلة أينم ما ثقفوا:
هكذا كانت حال اليهود منذ أول عهدهم مع كل الشعوب يحيكون الدسائس والمؤامرات ولا يندمجون مع أي شعب ولا يخلصون له بل إن نظرتهم للشعوب على أنهم عبيد مسخرون لهم يستحلون دماءهم وأموالهم بلا تورع ولا حرج.
حتى إن الأمم التي بليت بهم في القديم والحديث لم تجد لهم علاجاً إلا التنكيل بهم حتى الإبادة أو الإجلاء، وهذا ما فعله بهم المصريون القدماء، ثم الآشوريون ثم البابليون، ثم اليونان، ثم الرومان، ثم المسلمون إبان البعثة النبوية، فكم مرة نقضوا عهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه و سلم - وتآمروا على قتله، حتى أمر بإخراجهم قائلاً: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب لا يبقى في جزيرة العرب دينان". وكذلك كان شأنهم في أوربا مع الإنكليز والفرنسيين والطليان والأسبان والروس وآخر ذلك مع الألمان في عهد هتلر في الحرب العالمية الثانية. قال - تعالى -: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون [آل عمران: 112].
مبشرات:
إن الله - تعالى - لا يخلف وعده بإهلاك الظالمين ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين فقد كتب على هؤلاء القوم الذلة والمسكنة ويسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، قال - تعالى -: وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم. وقطعناهم في الأرض أمماً منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون [الأعراف: 167 168]. وإن شرف النصر والتمكين لا يكتبه الله إلا لعباده الصالحين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً.
ختاماً فإنك قد عرفت أخي القارئ كيف كانت مواقف الأمم من اليهود في القديم والحديث، وعرفت ماذا حكم فيهم رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، وماذا كتب الله عليهم - سبحانه وتعالى - وقال عنهم في القرآن الكريم على وجه الخصوص. فليراجع أناس حسابهم ولينظروا في مواقفهم وأعمالهم ممن ينسبون أنفسهم إلى أمة الإسلام، ويدعون التمسك بسنة محمد - عليه الصلاة و السلام - فإنه لم يجد لهم علاجاً إلا القتل والإجلاء، فهل يوجد في أمة محمد - صلى الله عليه و سلم - من هو أرحم من رسول الله؟! وهل يوجد في المسلمين من يزعم أنه أشد حنكة وأقدر على التعامل مع اليهود من رسول الله - صلى الله عليه و سلم -؟! اللهم إن هذا لا يكون إلا ممن قال الله - تعالى - فيهم: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً [الكهف: 103 104].
يا قومنا أجيبوا داعي الله فإن الله - تعالى - لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أولسنا نرى في كل يوم مواقف متناقضة ممن يحسبون من الدعاة نابعة من الهوى والشهوات، أولسنا نسمع أقوالاً تخالف كتاب الله وما فيه من الآيات البينات فما بال أقوام يتكلمون بألسنتنا ويدعون دعوتنا يثني بالأمس على شيخ أو عالم ثم عاد اليوم يصفه بالبدع والموبقات، وما بال أقوام يمدحون جماعة ويعتبرونها هي التي تمثل أهل السنة والجماعة والطائفة الناجية المنصورة رغم كل ما ارتكبته من موبقات ومخالفات ثم عادوا يقدحون بها ويصفونها بأنها آثمة معتدية مبتدعة، مع أن هذا العالم أو تلك الجماعة لم يغير أو تغير من الحقيقة التي هي أو هي عليها شيئاً؟!!
أليست هذه هي أخلاق القوم الذين سلط الله عليهم الذلة والمسكنة واللعنة والغضب، أليس هذا بهتان القوم الذين وصفوا بالغدر والكذب والفجور؟! فيا قومنا عودوا إلى الله فإنا نذكركم وندعوكم بما دعا به هود - عليه السلام - قومه حيث قال - تعالى - عنه: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين [هود: 52].
فقد ضل من اتبع هواه، ولا تنسوا مقولة العاقل: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام. قال - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً، وقال - سبحانه -: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً [النساء: 17].
____________________________
[1] صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، رقم الحديث [2901].
[2] فتح الباري 13/82.
[3] انظر تقريب التهذيب لابن حجر ص 307 طبعة دار الرشيد.
[4] صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، مناقب عبد الله بن سلام.
[5] صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار، مناقب عبد الله بن سلام.
[6] فتح الباري لابن حجر 12/326.
[7] سيرة ابن هشام 2/164.
[8] بسبب عدم توفر نسخة فقد اعتمدت على مصادر أثبتها، نقلت من الأسفار.
[9] دراسات في اليهودية، لمحمود مزروعة ص 51. نقلاً عن سفر التكوين [33: 24 30].
[10] المصدر السابق ص 166.
[11] إغاثة اللهفان لابن القيم 2/465.
[12] دراسات في اليهودية ص 88. نقلاً عن سفر التكوين 19/30 33.
[13] العقائد الوثنية في الديانة اليهودية لحسن الباشا ص 103 طبعة دار قتيبة بدمشق.
[14] دراسات في اليهودية ص 189.
[15] قصة الحضارة 2/345.
[16] العقائد الوثنية في الديانة اليهودية ص 47.
[17] العقائد الوثنية في الديانة اليهودية ص 52.