قواعد في توحيد الربوبية

قواعد في توحيد الربوبية
الشيخ عدنان عبدالقادر
توحيد الله عز وجل أصل العبادة ومناط القبول ولا عقيدة راسخة ولا عصمة من الشرك إلا بالمعرفة الدقيقة لقواعد التوحيد وأسسه حتى لا يذهب عمل العبد هباء منثوراً، ومن هذا المنطلق تأتي هذه الحلقات في إرساء قواعد توحيد الربوبية.
1-المؤثر المطلق التام -مؤثر بنفسه-:
إذا تحققت الأمور التالية فهو المؤثر المطلق:
هو الذي يؤثر بنفسه استقلالاً ويقدّر حدوثه دون إذن من أحد، ولا يحتاج إلى سبب آخر يعينه، ولا مانع له.
فهو استقلال المعين بالإعانة دون تدخل من أحد، ولا يحتاج إلى أذن من أحد، واستقلال المغيث بالإغاثة دون إذن من أحد وكذا استقلال النصير بالنصر والشفيع بالشفاعة والمعيذ بالإعاذة دون إذن من أحد. وهذا لا يكون إلا لله تعالى. فمن جعله لغير الله استقلالاً أو جعله لله تعالى مع إمكانية استقلال غيره بها فهو مشرك شركاً أكبر لأنه من خصائص ربوبية الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: > قال الله تعالى: -وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع-، وقال سبحانه: -الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع-. فالولي الذي يتولى أمرك كله، والشفيع الذي يكون شافعاً فيه أي عوناً، فليس للعبد دون الله من ولي يستقل، ولا ظهير معين< المجموع -1 / 73-، فلا مغيث على الإطلاق ولا معين على الإطلاق ولا نصير على الإطلاق ولا مالك للشفاعة على الإطلاق إلا الله وحده، وهذا لا يكون إلا لله وحده سبحانه، ومن صرفه لغير الله تعالى فقد أشرك شركاً أكبر مخرجاً من الملة. فالشفاعة بيده وحده دون إذن من أحد، وكذا كشف الضر وجلب النفع -وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يشاء من عباده-، وقال سبحانه: -من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه-. وقال: -وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له-. وقال: -ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده-، وقال: -قل ادع الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له- وقال:--أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون. قل لله الشفاعة جميعا-. وقال تعالى: -لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة- أي إلا بإذنه.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:> لهذا قال العلماء المصنفون في أسماء الله تعالى يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا الله، وأن كل غوث فمن عنده، وإن كان جعل ذلك على يدي غيره، فالحقيقة له سبحانه وتعالى، ولغيره مجاز< -المجموع 1/110-111-.
وقال: > وفي دعاء موسى: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك<. ولما كان هذا المعنى هو المفهوم عند الإطلاق وكان مختصاً بالله صح على الإطلاق نفيه عما سواه، ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكر على من نفى مطلق الإستغاثة عن غير الله.
الاستعانة والاستغاثة
وكذلك الاستعانة أيضاً فيها ما لا يصلح إلا لله، وهي المشار إليها بقوله -إياك نعبد وإياك نستعين- فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا الله، وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الإستنصار. قال الله تعالى -وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر- والنصر المطلق هو خلق ما به يُغلب العدو، ولا يقدر عليه إلا الله< -المجموع 1/112-113-. قوله: > والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو< هو النصر الكوني الخلقي القدري.
- وعند إطلاق لفظ الاستعانة والاستغاثة وأمثالها يقصد بها الاستعانة المطلقة والاستغاثة المطلقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: > لو قال كما قال أبو يزيد: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وكما قال أبو عبدالله القرشي: >استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون<. لكان قد أحسن، فإن مطلق هذا الكلام يفهم منه الاستغاثة المطلقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : > إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله<. المجموع -1/106-.
الشفاعة
وقال:> الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق، وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء -أي دون إذن من الله- فيقبل شفاعته، فأما إذا أذن الله له في أن يشفع فشفع لم يكن مستقلاً بالشفاعة، بل يكون مطيعاً له أي تابعاً له في الشفاعة، وتكون شفاعته مقبولة ويكون الأمر كله للآمر المسئول. وقد ثبت بنص القرآن في غير آية أن أحداً لا يشفع عنده إلا بإذنه كما قال تعالى -من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه-< -المجموع 1/118-.
ثم قال: > ونفى يومئذ الخلة بقوله -من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة- ومعلوم أنه إنما نفى الخلة المعروفة ونفعها معروف كما ينفع الصديق الصديق في الدنيا... ولم ينف أن يكون في الآخرة خلة نافعة بإذنه فإنه قد قال -الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون-... فتعين أن الأمر كله عائد إلى تحقيق التوحيد، وأنه لا ينفع أحد ولا يضر إلا بإذن الله، وأنه لا يجوز أن يعبد أحد غير الله، ولا يستعان به دون الله، وأنه يوم القيامة يظهر لجميع الخلق أن الأمر كله لله، ويتبرأ كل مدع من دعواه الباطلة، فلا يبقى من يدعي لنفسه معه شركاً في ربوبيته، أو إلهيته، ولا من يدعي ذلك لغيره< الممجموع -1/119-.