أما ديناميكية التكوين فتتكون في البداية من اصغر الحروف ، ثم في الكلمات ، وأخيرا ً في التكوين كله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قوة وديناميكية الحروف آتية من داخل كل حرف . فمثلا لو نأخذ حرف الألف فانه عند الخطاط ليس خطا ً مستقيما ًوهمزة فقط، بل سلسلة من الحركات المتموجة اللامرئية داخل الخط، فأن هذا الحرف الذي يبدو مستقيما ً لأول وهلة انما هو مجموعة حركات معقدة . فيبدأ الحرف من الاعلى بتقعر خفيف غير مرئي لجهة اليمين، ثم تحدب نحو اليسار ، وبعد ذلك ينزل الحرف في استقامة، وقبل ملامسة السطر يميل قليلا ً نحو اليسار . وهذه الفوارق الصغيرة هي الخط نفسه في الأساليب الكلاسيكية ، وان فُقدت فسيكون الخط ضعيفا ً . كذلك يخفي الخطاط في كل حرف مستدير أجزاء صغيرة من خطوط مستقيمة لمنح الحرف قوة تجنب للارتخاء .
إن هذه الحركات الصغيرة والرهيفة . والتي تعلمها الخطاط الناشئ من الخطاطين الكبارالذين سبقوه، هي التي تجعل من خطوطه ثرية التعبير .
هذا ما يخص الحروف . أما ديناميكية الكلمات فإنها تأتى من مقدرة الخطاط بإعادة صياغة ورسم الكلمة في كل مرة من جديد، وهذا ممكن وذلك عبر إعادة الخط لنفس الحروف بشكل أقوى من السابق . أو البحث في المخيلة عن رسوم متعددة لنفس الحروف كي تشغل المكان بشكل افضل. ففي أسلوب الثلث مثلا ً توجد لكل حرف عدة أشكال ابتكرها الخطاطون منذ قرون عديدة .
قبل كل شيء، يتخيل الخطاط الاتجاهات العريضة للتكوين . والمساحة التي سوف يشغلها التكوين : المربع، المستطيل، أو المثلث. أو يجد شكلا ًجديدا ً . ثم يأتي بالحروف ويُسكنها في هذه الفراغات، داخل وحول الهيكل الذي تخيله . وإن بقيت حروف متمردة ترفض الانصياع والمشاركة بالعملية الفنية، فيترك لها مكان صغير، ويخطها بقلم رفيع ، كيلا يؤثر حجمها على المظهر الفني العام للتكوين .
وهكذا فان للخطاط قوة التحكم في مصير حروفه. وهنالك ما تقوله الحروف هي أيضا، فأنها تطيع بعض الخطاطين وليس جميعهم. ولهذا نعجب بخطوط البعض فقط. إن مشاهدة تكوين قوي تهبنا شعوراً بالامتلاء والاطمئنان. على عكس الخطوط الرديئة التي تخلق بداخلنا إحساسا بالقلق .
كانت التكوينات القديمة الجميلة، كأغصان سوداء متشابكة لشجرة محترقة بفعل حرارة الشمس في قلب الصحراء. حروف سوداء عارية كهيكل عظمي على خلفية صافية للفضاء ... تلابست الحروف ولم تعد تقرأ . . . فهدف الخطاط قبل كل شيء هو رؤية جمالية شاملة عبر كل الحروف .
التكوين الخطي يعطي نصف المعلومات للمشاهد، أما النصف المتمم فيبحث عنه المشاهد في نفسه، يبحث عن المعنى محاولا ً القراءة ، ويتخيل في الشكل العام للتكوين أشياء قد تبتعد تماما ً عما تخيل الخطاط. آنذاك يضع حقيقته في العمل الفني ، فيشعر هو نفسه وكأنه مساهم في عمل التكوين. يمكنه أن يشعر هو أيضا ً انه فنان وخلا ّق .
* * *
ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي بدأت تظهر تكوينات تتسم بالجرأة في المعالم المعمارية في آسيا الوسطى. ثم إيران والعراق ومصر والدولة العثمانية . تكوينات متشابكة لا يستطيع قراءتها أحد ، الهدف منا متعة العين ، والانغمار في التأملات .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تكوينات الخط الكوفي الهندسي التي عملت من الطابوق ، تلغي أهم ما في خط القدماء بسبب نوعية المواد الأولية للبناء . تلغي أهم ما كان معروفا ًفي الخط العربي، ألا وهو النحافة والسمك داخل كل حرف ...
هنا الحرف يكتب بالطابوق فقط وكذلك الفراغ المحيط بالحرف يكون بسمك الطابوق أيضا. انه زمن جديد للخط طبّقته جميع الدول الإسلامية بمعالمها المعمارية. ولم نخسر أي شيء، فالخط الكلاسيكي استمر وتقدم والأساليب الجديدة للقرن الرابع عشر هي الأخرى تطورت. ولو حدث هذا اليوم وفي عصرنا الحالي ، لسمعنا النقد والعويل من المتخلفين الذين لا يريدون أن نتقدم خطوة واحدة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ففي الوهلة الأولى لا تبدوا أية علاقة بين كوفي المصاحف و بين الكوفي الهندسي. ولكن عند التمعن جيدا نرى بوضوح العلاقة العائلية المتينة بين الاثنين . وهذا هو الخلق الفني، فانه في البداية يحيّر ويقلق ، ولكننا في النهاية نكتشف انه ثراء وإضافة لما نملك .
الكتابة بالطابوق وضعت حلول عديدة للمساحات التشكيلية في العمارة . إذ أن كل الخطوط السابقة التي كبرت للعمارة لم تكن متناسبة، لأنها تقليد لخط المصاحف . أي تقليد خط منقار القصبة في حركاته الرفيعة والسميكة . بينما هنا ولأول مرة تدخل الخطوط بالضبط في المساحة المخصصة لها . وبعد ذلك واصل الخطاط القديم إبداعه فأعطى ديناميكية اكبر للخطوط على المنارة فجعلها تنزل مائلة بشكل حلزوني . وحتى المربعات المخطوطة أخذت فيما بعد أشكال قلقة بالارتكاز على نقطة واحدة . وهكذا فإن خط المصاحف بقي في المصاحف. أما العمارة فأنها وجدت ما يلائمها . والنتيجة هي إثراء للفنون وبهجة للعيون .
هذا مثال واحد ولكن هنالك أمثلة كثيرة لإبداع الخطاطين في الماضي. لقد كان الخطاطون والشعراء والموسيقيون في طليعة المجددين داخل المدينة الإسلامية .
وقد يُطرح سؤال: ما مدى أهمية وضرورة الحاجة للخط في العصر الحديث ؟ إن المعالم الكبرى يقوم بها معماريين ليسوا على علم بجماليات الخط العربي وماعدا ذلك فان احتياجات الخط الأخرى يمكن أن تقوم بها وسائل الطباعة الحديثة ...!
لو ننظر لما تبقى من المعالم القديمة والديكور الخطي، سندرك أن هذا الفن يمكنه أن يغذي باستمرار الأحاسيس والمشاعر لحاضرنا ولمستقبلنا . وبالإضافة إلى ذلك فان الأجيال الجديدة من الخطاطين يمكنها أن تخلق أجواء جديدة لحاجات جديدة. إذ لا يمكن للبحث الجمالي أن يشبع رغباتنا، إنه التقدم والتطور بحد ذاته .
لابد من وجود صحف وكتب تهتم بالخط . في هذا الزمن الذي يكون فيه سهلا ً تصوير الخطوط على المعالم وطبعها، كي يتعرف عليها الخطاطون الناشئون ، وتكون دراستها المادة الأولى لخلق خط حديث . و لذلك لابد من معارض ولقاءات تخلق مناخ إبداع وتجديد وحوار ... ؟
* * *
في القرون الأربعة الأخيرة كانت الدولة العثمانية هي التي تقود مجموعة الخطاطين على أراضيها . كان الطالب الصغير يدق باب خطاط كبير. وبعد التجربة قد يقبل به الأستاذ كمتعلم أو لا .
على الطالب احترام أستاذه وتتبعه في أسلوبه. وعبر الأستاذ يتعلم التلميذ قوانين الخط . والتي تعلمها هو بدوره من أستاذه . وهكذا أن التعبير الخطي اخذ هذا المنحى عند الدولة العثمانية . والتي هيمنت منذ القرن السادس عشر على كل الدول العربية ، عدا المغرب. كان العمل الفني يدور داخل شبكة من القوانين والمفاهيم يحترمها الجميع. ومن لا يريد احترامها يضع نفسه خارج قوانين الفن الذي يزيّن معالم المدينة . وإن اختار الخروج عن نظام الدولة، فلا تكلفه الدولة بطلبات لإنجاز العمل ... فليذهب إذن إلى السوق ليخط للصفاريين ببضعة دراهم أو ليقم بأي عمل آخر، كتعليم الأطفال في المحلات الفقيرة . لن يعد آنذاك لديه وقت للبحث والتطور ، لانه يعمل كثيرا ًو بمورد قليل ... وعندما انهارت الدولة العثمانية، لم تعد قوانينها الفنية تساوي شيئا ً. وهكذا انتهى حال الخطاط لحد يومنا الحالي .
ربما كان الهدف من هذه القوانين احترام التراث والحفاظ عليه . ولكننا اليوم نرى أنها كانت عائقاً لمواصلة هذا التراث ، وحتى أنها لم تستطع المحافظة على الخط القديم . فقبل قرن من الزمن كان عدد الخطاطين يحسب بالآلاف أما اليوم فانه يحسب بالعشرات . إن هذا المثل يمكن تطبيقه على كل نشاطات الدولة العثمانية. انه أحد الأسباب التي أدت إلى الانهيار المفجع لهذه الإمبراطورية . إذ لا يجب أن ننسى أن جمود جيل من البشر سوف يؤدي إلي فقر الجيل الذي سوف يخلفه .
بل انه لمن المفجع بشكل اكثر رؤية التوجهات الثقافية لمجتمعاتنا اليوم وخصوصا ً في مجال الخط ، فهي امتداد للقوانين الصارمة للنظام العثماني تجاه الخط والذي سبق وان اثبت فشل هذه التوجهات . ان جماهير الدول الاسلامية ، تعيش الفقر الثقافي ، والكثيرمن شبابها يحلم بالهجرة ، الى العالم الصناعي . أي الدول التي تفتح ذراعيها أمام الخلق الفني . بسبب ركود مجتمعاتنا، وتقلص الإنتاج الفني الذي هو انتاج روحي قبل كل شيء والغرض منه تطوير الذوق البشري والسمو بأخلاق المجتمع ككل .
الخوف من التجديد . كان قد اسقط الامبراطورية العثمانية ، ومزقها . وهذا ما نشاهده في الكثير من بلداننا ايضا ً الآن . وعندما يشعر الناس بهذا الاختناق الحالي . يطالب البعض وبسذاجة بالرجوع الى الوراء . الرجوع الى الخلف في قراءة خاطئة للتاريخ ، بينما المفروض ان نسرع للامام . وان نتطور مع كل ما اعطانا التطور البشري الحديث من امكانيات . فلنتذكر من الماضي فقط فترات الانفتاح وخيراتها ...
* * *
ولتوضيح التطور الذي مر به الخط في الزمن الماضي . يمكن ان نأخذ كمثال على ذلك استعمال الخط الكوفي بشكل واسع للمصاحف في القرن التاسع . ولكن بنهاية القرن العاشر بدأ التحول نحو أسلوب النسخ . لأسباب اجتماعية عديدة . اهمها الازدهار الحضاري والترف للدولة الكبيرة المتعددة القوميات .
فولدت أساليب لا حصر لها من ابداع الخطاطين، لان الدولة الاسلامية كانت آنذاك دولة مفتوحة، على شكل الولايات المتحدة او الاتحاد الاوربي في عصرنا الحالي . ففي العالم الغربي الواسع اليوم يتنقل الناس بدون جوازات سفر ويعملون في المكان الذي يجدونه ملائما ً لهم .
وهكذا كانت الدولة الاسلامية سابقا تمتد من بعض اجزاء الصين وحتى الاندلس . فكان للخطاط مجالات عمل واسعة . و تمكن من ابداع اساليب عديدة في الخط . وهكذا كنا نسمع بشار بن برد في القرن الثامن يقول : واذا خشيت تعذرا ً في بلدة فأشدد يديك بعاجل الترحال . كان يعرف انه يستطيع العيش بمدينة اخرى . وكان الشاعر الحريري في القرن 12 يقول : وجب البلاد فايها ارضاك فاختره وطن .
اما اليوم فلم يعد التنقل سهلا ً بين الدول العربية .
ويمكن تصوّر ان هذا المناخ الايجابي ، في زمن الدولة الاسلامية المتعددة القوميات . والذي كان يشمل كل مجالات الابداع . فالشعراء في كل مكان . والموسيقيون في القصور . والمعماريون في المدينة ... وكمثال على ذلك: فان الفيلسوف الغزالي ولد في ايران وعمل استاذا في المدرسة النظامية ببغداد . وزرياب البغدادي فتح اكبر مدرسة للموسيقى في الاندلس يتعلم فيها حتى ابناء الاوربيين . وياقوت اكبرخطاطي بغداد في القرن الثالث عشر ولد في اوربا وتبناه الخليفة المستعصمي ...
كان الخليفة المأمون يطلب من الخطاطين ان يستنسخوا نموذجا لكل كتاب موجود على الارض . وان كان بلغة اخرى ليترجم ويُخط ... وهكذا تنشط مخيلة الانسان ويتطور المجتمع . وهذا بالضبط ما يحدث الان في الدول الصناعية الكبرى . بينما في العصر الحالي عندما ندخل مكتبة عربية تصيبنا الدهشة لقلة الكتب ...
* * *
في عصرنا الحالي لم تعد الدولة توجه الخط . كما حصل سابقا ً. مما يعطي الخطاط الحرية الكاملة في عمل خطوطه . لكنما قلة المعارض وقلة الاهتمام ان لم نقل الاهمال الكامل بعمله كجميع الفنون التشكيلية . هذا يجعل الخطاط يواجه مشاكل اقتصادية تدفعه إلى ممارسة العمل التجاري، و تجبره على ترك البحث والتجديد الذي هو ضرورة ملحة كيلا نتراجع إلى الخلف .
كان في السابق الكثير من هواة الفن والأثرياء يقتنون الخطوط بأسعار عالية مما يوفر الوقت للخطاط للبحث والتدريب . قال أحد الخطاطين القدماء : عندما أخط أبيع نسخة من كتاب" المجسطي " ( وهو كتاب علمي مترجم عن اللغة الاغريقية ) يكفيني هذا المورد ان اعيش لمدة سنة .
كان هنالك ايضا ً تشجيع واسع من الشخصيات العليا في الدولة . يقال ان السلطان مصطفى الثاني كان ينظر باعجاب الى الخطاط الحافظ عثمان في القرن السابع عشر وهو يخط . فيقول له : " هل سيأتي يوم ياحافظ ان يأتي خطاط مثلك . " فأجابه الحافظ عثمان : " سيكون هنالك خطاط مثلي لو يأتي سلطان مثلك يمسك المحبرة لخطاطه المفضل . "
* * *
لا يجد الشاب اليوم امكانية تعلم الخط بسهولة وعليه في اكثر الاحيان الاعتماد على نفسه في البحث . وكم هو تبذير للوقت ان يحاول الشخص التعلم وحيدا ً لفن كهذا . ان التمرين على الخط والتوصل الى اتقان بضعة اساليب يتطلب سنين من العمل . ولكن يصعب تحقيق ذلك بشكل فردي . اذ لابد للخطاط المبتديء من فهم وهضم تركة الماضي من الخطوط والتكوينات ، ومعرفة اين تكمن جمالياتها . اضافة الى التمرين المستمر الذي سوف يساعده على ادراك كنه وجوهر الجمال في هذا التعبير الفني . كذلك لابد من اضافة الجديد بالاستلهام من أشكال وعناصر الطبيعة كالأرض والنار والهواء والماء . وكذلك من الهندسية المخفية خلف اشكال الازهارمثلا ً او التأمل في أشكال الغيوم ....
كل هذا سيكون صعباً جدا ً في عالم مادي يبحث عن المنفعة قبل كل شيء .
* * *
لقد تأثرت التكوينات الخطية سابقا ً بشكل المعالم المعمارية . كان المعماري يعمل مع الخطاط ، في كيفية وضع الخطوط على الجدران . وبهذا تعلم الخطاط كثيرا ً من المعماري . في هندسته للاشكال وكيفية احتلال الفضاء . والصعود عاليا ً بالحروف مع مراعاة قانون الجاذبية . وبهذا عمل الخطاط تكوينات للمكان المطلوب على جدران البناية . ولتشغل المساحة المخصصة بالضبط .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ومن الخطاطين اللذين عملوا مع المعماريين أذكر على سبيل المثال الخطاط راقم الذي كان له جرأة كبيرة في كسر العبارة وإعادة تركيبها حسب تخيلاته. ومن تكويناته المشهورة " لاحول ولا قوة الا بالله " المحفوظة بمتحف طوب كبي باسطنبول .
وضع في وسط هذا التكوين الثلاث لاءات المتباعدة في العبارة ولكنه لصق بعضها ببعض. ثم عمل الف ولام على اليمين والف وبا على اليسار . العبارة فيها الف منفردة واحدة ، بينما تكوينه احتاج الى اثنين . فأضاف عبارة أخرى هي " العلي العظيم " في الأعلى وخطها بشكل صغير جدا ً، ولكنه اقترض منها ألِفا ً ليستعملها في تكوينه للحروف الكبيرة .
الحروف المدورة جعلها الواحد ببطن الآخر . ولم يتردد بتصغير الحروف " واو وقو" ، كي تدخل بسهولة في التكوين . ثم وضع الأربع نقاط لكل العبارة سوية في أعلى اللاءات ووضع " الله " في الأعلى .
إن ما يدهش في هذا التكوين هو اتساع مخيلة راقم في عدد المرات التي يتدخل فيها كي يغير مكان الحروف ويصغرها . ويضيف حرفا ً من اجل بناء تكوين جديد ومتناغم يخضع لهندسية بسيطة وقوية .
وُلد مصطفى راقم في عام 1757 وتوفى عام 1826 وترك لنا الكثير من التكوينات التي تتميز بالأناقة والكمال . وكان العثمانيون يقولون عنه : " إذا كان الغرب فخورا ً بمايكل انجيلو فنحن فخورون بالخطاط راقم . "
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ترك لنا الخطاطون القدماء الكثير من التكوينات في المعالم المعمارية وعلى الورق .ففي حدائق قصر الحمراء خط صغير كُتبتْ فيه عبارة هي شعار بني عبّاد : " لا غالب إلا الله " وقد أضاف الخطاط في الأعلى امتداد للحروف وزخارف تشابه الحروف بما يعادل ثلاث مرات حجم العبارة . أي أن ربع المساحة كان كافيا ً لخط العبارة . ولكن الخطاط عمل إضافات لمعادلة تكوينه، ولكنه من جهة أخرى استغل هذه الزيادات للتمتع بحرية الإبداع والخلق . فالمساحات الإضافية هي ملكه الخاص يتصرف بها كما يحب ... كما يريد ...
الإبداع والخلق يتم في أجواء من التشجيع . فهناك تأثير متبادل بين الخطاط والمجتمع . فإن كان هنالك احترام وتقدير تبرز الفنون وتلعب دورها الفعال . وان كان هنالك الإهمال فسوف تضمحل الفنون ويفقد المجتمع علاماته الجمالية ويبقى المجتمع مقلدا . الفن هو تكثيف للطاقات التي تغذي من ينظر إليها . وأن الجمال الفني يتحول في عيون المشاهد إلى طاقة إيجابية .
ترتفع الألفات واللامات بخطوط رهيفة في الحجر المحفور في حدائق قصر غرناطة. لا نلبث أن نرى هذه الرهافة حولنا في القصر نفسه . فالأعمدة الرخامية في قصر الحمراء رفيعة رشيقة . وهنا يأتي السؤال: من تأثر بمن ؟ هل المعماري تأثر بالخطاط ، أم الخطاط بالمعماري ؟ ان هذا التأثير المتبادل يمكن تصوره في اشياء متعددة مابين الفن والحياة .
الفن هو انعكاس لحركة المجتمع . يتاثر به ويؤثر عليه .
ومن هنا نطرح السؤال التالي : هل يمكن ان نستمر على مظهر الخط كما كان في عصر الحصان والجمل . ونحن الآن في زمن الطيران ؟