لعن بعض عصاة المسلمين عموماً
د.سليمان الغصن
جاءت النصوص الشرعية بلعن أصحاب بعض المعاصي على سبيل العموم والإطلاق، بذكر وصف المعصية.
ومما ورد في ذلك ما يلي:
(1) قول الله تعالى:{ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18].
(2) قول الله تعالى:{ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 61].
(3) عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(4) عن ابن عمر –رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(5) عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله r( المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(6) في حديث: أنس t أن النبي r قال في المدينة: (من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله الملائكة والناس أجمعين)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(7) حديث علي بن أبي طالب t أنه سمع رسول الله r يقول: (لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير منار الأرض)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(
عن جابر t قال: لعن رسول الله r آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(9) عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وفي رواية: (لعنت الخمر على عشرة أوجه..) ([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]). وفي رواية: (لعن رسول الله r في الخمر عشرة..)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
فهذه النصوص ونحوها تدل على جواز لعن فاعل تلك المعاصي لا على جهة التعيين للأشخاص، بل يلعن العاصي بوصفه لا بشخصه، فيقال مثلاً: لعن الله آكل الربا، ولعن الله السارق، أو أكلة الربا ملعونون، والسارقون ملعونون، ولعنة الله على الظلمة، وعلى الكاذبين ونحو ذلك.
وهذا اللعن على سبيل العموم لأصحاب المعاصي التي جاءت النصوص بلعن فاعليها لا خلاف في جوازه، قال ابن العربي: "وأما لعن العاصي مطلقاً.. فيجوز إجماعاً"([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وقال الإمام النووي في شرحه لحديث: "لعن الله السارق" " هذا دليل لجواز لعن غير المعين من العصاة؛ لأنه لعن للجنس لا لمعين، ولعن الجنس جائز كما قال الله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (واللعنة تجوز مطلقاً لمن لعنه الله ورسوله)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا])،وذكر الغزالي أن اللعن ببعض الأوصاف جائز كلعن القدرية والخوارج والروافض والزناة والظلمة وآكلي الربا([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وقال شيخ الإسلام: (المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال: اللعن المطلق العام)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
ويحسن التنبيه هنا إلى بعض المسائل المتعلقة باللعن العام لأصحاب بعض المعاصي.
المسألة الأولى:
أن اللعن لأصحاب بعض المعاصي ينبغي أن يقتصر فيه على ما ورد في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، كما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه السابق من أن اللعن المطلق جائز لمن لعنه الله ورسوله r.
فالمعاصي التي جاء في النصوص الشرعية لعن فاعليها هي التي يلعن فاعلوها على سبيل العموم والإطلاق كالظلم والكذب وأكل الربا وشرب الخمر والإحداث في الدين والسرقة ونحو ذلك.
أما المعاصي التي لم يرد لعن فاعليها فلا يطلق لعن أصحابها وإن كانوا عصاة مذنبين آثمين؛ لأن اللعن حكم ينبغي أن يلتزم فيه بما ورد في النص الشرعي.
المسألة الثانية:
إن اللعن الوارد في النصوص الشرعية لأصحاب بعض المعاصي لا يلزم منه لحوق اللعن لكل فرد من أفرادهم، كما لا يلزم منه تكفيرهم أو تخليدهم في النار، بل هو من نصوص الوعيد العامة المطلقة التي لا يقطع فيها على الأعيان، قال شيخ الإسلام
وهذا بمنزلة الوعيد المطلق، لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وجدت شروطه وانتفت موانعه، وهكذا اللعن)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
فاللعن العام يدل على أن من فعل تلك المعصية فهو مستحق للعنه، ومعرض للعقوبة، فيحصل من هذا الإطلاق الزجر والردع عن ارتكاب تلك المعصية، وهذه اللعنة العامة المذكورة في النص قد تلحق بعض الأشخاص فتكون سبباً في عذابه ويكون معه إيمان يمنعه من الخلود في النار، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة في كون الشخص تجتمع فيه طاعة ومعصية، وخير وشر، وإيمان وكفر أصغر([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]). كما قد يكون لدى الشخص المعين مانع يمنع لحوق اللعنة به كما يأتي تفصيله في المبحث التالي إن شاء الله. فوجود مقتضى اللعن لأصحاب بعض المعاصي من المسلمين لا يعني سلب كل مقتضيات الرحمة عنهم، بل يكون فيهم موجبها ومانع من موانعها، كما يصلى على أصحاب المعاصي التي ورد لعن مرتكبيها، والصلاة سبب للرحمة([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
فلعن أصحاب المعاصي بمعنى إبعادهم عن رحمة الله تعالى مقيد بزمان أو بحال، ككون من لحقته اللعنة منهم لا يدخل الجنة -التي هي من رحمة الله تعالى- مع أول الداخلين لها بلا عذاب ونحو ذلك، فليس لعن عصاة المسلمين مماثلاً للعن الكافرين المقتضي طردهم وإبعادهم عن رحمة الله وجنته مطلقاً، وتخليدهم في نار جهنم([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
ونقل النووي في لعن من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً في المدينة([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا])، قال: (وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد. قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون عن رحمة الله تعالى كل الابعاد)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وبهذا نعلم أن إطلاق اللعن العام على بعض أصحاب المعاصي المسلمين ليس كلعن الكافرين([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
المسالة الثالثة:
إن اللعن العام لأصحاب بعض المعاصي ينبغي أن يساق مساق الإخبار الموافق لما جاء في الأخبار، فيكون من باب الوعيد العام.
ويجوز إطلاق اللعن على معنى مطلق السب والذم والعيب المنفر عن فعلهم والمظهر لمقتهم، كما يجوز إطلاق اللعن على معنى الدعاء عليهم بالخزي والعقوبة الدنيوية المقتضية لردعهم وكف شرهم، واتعاظ غيرهم، وهذا يظهر في المعاصي المتعدي ضررها إلى الإسلام وأهله كالعصاة البغاة والعتاة المستهزئين والمتسلطين والمفسدين، ولا ينبغي الدعاء على العصاة باللعن على إرادة معناه الأصلي الذي هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى لعدم فائدة ذلك للداعي ولا للمدعو عليه، ولأن ذلك مما يكثر شرهم، ويزيد من بعدهم وغوايتهم.
المسألة الرابعة:
ورد عن بعض السلف لعن لبعض الفرق بعينها ومن ذلك ما يلي:
(1) عن عبد الله بن أبي أوفى t قال: (لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(2) روى ابن بطة بسنده عن عكرمة بن عمار قال
سمعت سالم بن عبدالله والقاسم بن محمد يلعنان القدرية)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(3) ورد عن بعض السلف لعن الجهمية كأحمد بن حنبل([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]) ويزيد بن هارون([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]) وغيرهما([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
(4) كما ورد عن بعضهم لعن المعتزلة([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]) والكلابية([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا])، ولعن أهل الكلام عموماً وأصحاب المقالات المنحرفة([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
وهذا اللعن الوارد عن بعض السلف لبعض الفرق لا يخلو من عدة أحوال:
الحال الأولى: أن تكون الفرقة مما جاء تكفيرها عن السلف كغلاة الجهمية والقدرية([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا])، فيكون لعنها من باب لعن طائفة من الكفار، وهذه الحالة سبق الكلام عليها.
الحال الثانية: ألا يكون من منهج السلف تكفير تلك الفرقة المعينة فيكون اللعن لها في تلك الحالة من باب اللعن العام لأصحاب بعض المعاصي، وتكون تلك الحالة داخلة في لعن أهل الأهواء والبدع عموماً المأخوذ حكمها من قوله r: (لعن الله من آوى محدثاً)، وقولـه في المدينة النبوية: (من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
قال الشيخ ابن عثيمين تعليقاً على الحديث الأول: المحدث يشمل الإحداث في الدين كالبدع وغيرها كالجهمية والمعتزلة وغيرهم.
ويشمل الإحداث في الأمر أي في شؤون الأمة كالجرائم وشبهها، فمن آوى محدثاً فهو ملعون، وكذا من ناصرهم؛ لأن الإيواء أن تؤيه لكف الأذى عنه، فمن ناصره فهو أشد وأعظم. والمحدث أشد منه؛ لأنه إذا كان إيواؤه سبباً للعنه، فإن نفس فعله جرم أعظم) ([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
والحديث الثاني يدل على لعن من أحدث حدثاً سواء كان إحداثاً في الدين أو سواه، والحديث وإن كان أصله وارداً في المدينة إلا أن حكمه عام. وفي هذا يقول الحافظ بن حجر: (والغرض بإيراد الحديث هنا لعن من أحدث حدثاً، فإنه وإن قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفي غيرها إذا كان من متعلقات الدين)([عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابط للتسجيل اضغط هنا]).
والمقصود أن ما ورد عن بعض السلف من لعن بعض الفرق الإسلامية التي لم يحكم بكفر أصحابها داخل في حكم اللعن العام لأصحاب بعض المعاصي. وتفصيل حكم ومعاني اللعن في هذه الحالة هو نفس ما سبق ذكره في المسألة الثالثة. والله أعلم.
*المبحث الثالث من كتاب مطبوع بعنوان "أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين- دراسة عقدية" لفضيلة الشيخ د. سليمان الغصن. طبع دار كنوز إشبيلية بالرياض. ويليه بإذن الله المبحث الرابع والأخير.
([1]) رواه البخاري في كتاب الحدود، باب قول الله تعالى، والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما( برقم: (6799)، ومسلم في كتاب الحدود برقم (4408).
([2]) رواه البخاري في كتاب اللباس، باب وصل الشعر برقم (5937) ومسلم في كتاب اللباس والزينة برقم (5571).
([3]) رواه البخاري في كتاب:اللباس، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال برقم (5885).
([4]) روى البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إثم من آوى محدثاً، برقم (7306)، ومسلم في كتاب الحج برقم (3323).
([5]) رواه مسلم في كتاب الأضاحي برقم (5125).
([6]) رواه مسلم في كتاب المساقاة برقم (4093).
([7]) رواه أبو داود في كتاب الأشربة، باب العصير للخمر برقم (3674)، والحاكم، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي (4/145).
([8]) رواه ابن ماجة في كتاب الأشربة باب لعنت الخمر على عشرة أوجه برقم (3380) وأحمد
(2/26-71).
([9]) رواه ابن ماجة في كتاب الأشربة باب لعنت الخمر على عشرة أوجه برقم (3381).
([10]) أحكام القرآن لابن العربي (1/75).
([11]) شرح مسلم للنووي (11/334).
([12]) مجموع الفتاوى (6/511) وانظر القول المفيد (1/227).
([13]) انظر إحياء علوم الدين (3/111).
([14]) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/350).
([15]) منهاج السنة (4/574).
([16]) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام (28/209، 4/475)، والصلاة لابن القيم (43).
([17]) انظر منهاج السنة (4/570).
([18]) انظر الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية (34-35).
([19]) رواه مسلم في كتاب الحج رقم (1366).
([20]) شرح مسلم للنووي (9/496).
([21]) انظر فتح الباري (4/104).
([22]) رواه أحمد (4/382)، والحاكم (3/571)، وابن أبي عاصم بنحوه برقم (905)، وحسن إسناده الألباني.
([23]) رواه ابن بطة برقم (1553، 2/122)، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (2/391) برقم
(848) واللالكائي (2/645) برقم (1166-1167).
([24]) انظر السنة للخلال (7/76).
([25]) انظر السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/121-122) برقم (49) والإبانة لابن بطة (2/64) برقم (275).
([26]) انظر الإبانة لابن بطة (2/137).
([27]) انظر الإبانة لابن بطة (2/137).
([28]) انظر ذم الكلام للهروي (ص279).
([29]) انظر ذم الكلام للهروي (ص282، 284) اللالكائي (4/723) برقم (1333).
([30]) انظر السنة لعبد الله الإمام أحمد (1/104-105، 109)، واللالكائي [(1/298)، (2/646-707)]، والإبانة لابن بطة (2/100-101)، برقم (338، 339، 340، 341).
([31]) القول المفيد (2/224).
([32]) فتح الباري (13/245).