عورة المرأة

عورة المرأة – محاضرة للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى رحمه الله تعالى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ،يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً .
أما بعد .. فقد بدا لي أن أُذكر إخواننا الحاضرين في هذه الجلسة المباركة إن شاء الله ومن يبلغهم كلمتي بأمر أظن أن كثيراً من المسلمين هم عنه من الغافلين ، وليس يخفى على أحد بأن تفكير الناس بما هم عنه غافلون وله جاهلون أولى من أن نطرق مسامعهم لأمور طالما سمعوها من الخطباء والمدرسين والوعاظ ومن الإذاعات ونحو ذلك من الوسائل التي يسرها الله عز وجل في هذا العصر الحاضر، وكما كان من قوله عليه الصلاة والسلام (( خير الناس أنفعهم للناس )) ، لا شك أننا نأخذ منه أن نفع الناس إنما يكون بتعليمهم ما هم جاهلون أو بتذكرهم بما هم عنه غافلون .
ومن هذا القبيل أن نعلم ما هي عورة المرأة المسلمة بالنسبة للمرأة المسلمة ؟ فإن من المذكور في بعض الكتب الفقهية أن عورة المرأة أمام المرأة المسلمة هي كعورة الرجل مع الرجل -أي من السرة إلى الركبة- ومعنى هذا أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمام أختها وقسمها الأعلى أى نصف بدنها الأعلى عاري ومكشوف وكذلك ما تحت ركبتيها ، والذي أريد أن أذكركم به هو أن نعلم قبل كل شيء أن هذا الحكم ليس له دليل في كتاب الله ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشيء آخر أن كتاب الله يدل على خلاف هذا التوسع في تحديد عورة المرأة مع أختها المسلمة ، إن علماء التفسير يذكرون أن هناك بالنسبة للمرأة زينتين ؛ زينة باطنة وزينة ظاهرة ، وأخذوا ذلك من آيتين كريمتين :-
الآية الأولى قول الله تعالى فى سورة [ النور - 31 ] { وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أَوْ آبَآئِهنّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ أَبْنَآئِهِنّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنّ أَوْ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِيَ إِخْوَانِهِنّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ أَوْ نِسَآئِهِنّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىَ عَوْرَاتِ النّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنّ وَتُوبُوَاْ إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، ولا يبدين زينتهن للرجال الأجانب إلا ما ظهر منها ، فالزينة الظاهرة لها علاقة بالأجانب ، فما ثبت في غير ما حديث مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه بالنسبة للمرأة الوجه والكفان ، وما سوى ذلك فهو الزينة الباطنة وهي التي لا يجوز كشف شئ منها أمام الغرباء عنها . أما الزينة الباطنة فهي ما أباحه الله عز وجل لها أن تظهرها لمحارمها كلهم وللنساء المسلمين في الآية المعروفة حين قال ربنا عز وجل فى نفس الآية السابقة { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن…} وهكذا يسرد ربنا المحارم حتى يقول { أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن } فقوله تبارك وتعالى { أو نسائهن } فيه دلالة صريحة على أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر من زيتها الباطنة ما تظهر لابنها ولأخيها وغير ذلك من محارمها ، وكذلك عورة المرأة مع المرأة المسلمة محدودة بهذه الزينة الباطنة .
ولنفهم ما هي الزينة الباطنة يجب أن نرجع إلى ما كان عليه النساء في الجاهلية وقبل دخولهن بالإسلام وحين دخلن في الإسلام وآمن بالله ورسوله ، جاءت هذه الأحكام تبين لهن أى لهذه النسوة ما يجوز لهن بالنسبة للأجانب وهو الوجه والكفين وهو الزينة الظاهرة ، وما يجوز لهن بالنسبة للمحارم وهي الزينة الباطنة وهنا نريد أن نقف قليلا عند تفسير العلماء لقول الله تبارك وتعالى { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .. } :-
ما المقصود بهذه الكلمة " لا يبدين زينتهن " ؟ هل المقصود الزينة نفسها أم موضع الزينة ؟ أي هل معنى الآية لا يبدين مواضع الزينة ولو لم يكن عليها شيء من الزينة ؟ أم المقصود لا يبدين تلك المواضع وعليها الزينة ؟ قولان للعلماء ولا شك أن القول الصحيح الذي اعتمده علماء النفس إنما المعنى الذى هو لا يبدين مواضع الزينة وليس المقصود الزينة ، ذلك لأن المرأة إذا أخذت عقداً تضعه على صدرها في يدها فقد أبدت الزينة فهل هذا هو الذي نهيت عنه ؟ الجواب لا ، وإنما نُهيت عن إبداء الزينة وهي في موضعها ، إذن المقصود من الآية { ولا يبدين زينتهن } أي موضع الزينة لهؤلاء المحارم ثم للنساء المسلمات كما ذكرنا ، ومعنى هذا أننا نستحضر في أنفسنا أن هناك مواطن لم يكن حتى هذه الساعة من عادة النساء أن يضعن زينةً عليها ، فمثلاً هل في الفخذ زينة ؟ الجواب لا ، هل في الظهر زينة ؟ لا ، هل تحت الإبط زينة ؟ لا ، وعدوا ما شئتم فسيكون الجواب لا ولا ، إذن ربنا عز وجل في هذه الآية إنما أباح للنساء أن يظهرن للمحارم مواضع الزينة من أبدانهم ليس أكثر من ذلك ، ولكي نتأكد من هذا المعنى يجب أن نستحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( المرأة عورة فإذا خرجت استكشفها الشيطان -يعني تطلع إليها- وأوحى إليها بما يُوحي بافتتانها )) إذن هذه المرأة هي كلها عورة إلا ما استثنى الشارع ، فقد عرفنا من الزينة الظاهرة أن الشارع أكثر ما استثنى بالنسبة لزينتها الظاهرة أمام الأجانب إنما الوجه والكفين فقط ، وبالنسبة للمحارم إنما استثنى مواطن الزينة ، فما هي مواطن الزينة التي كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ ذلك محصور في مواضع معروفة ؛ أول ذلك الأساور في المعصم ، ثاني ذلك الدبلة التي كانت توضع في العضد (المرآة) ، ثالثا الطوق أو السلسلة توضع على الرقبة وعلى شيء من الصدر، أخيراً الخلخال الذي أشار ربنا عز وجل إليه وبين أنه من الزينة الباطنة حين قال { ولا يضربن بأرجلهم ليُعلم ما يخفين من زيتهن } ، وكانت المرأة تنحرف ولو بعض الشيء عن الحجاب الشرعي والآداب الإسلامية التي يجب على المرآة المسلمة أن تتخلق بها حين كانت تضرب بأرجلها ليسمع الرجال صوت الأجراس التي كانت توضع على الخلخال فيكون له رنة تلفت نظر الرجال إليها ، هكذا كان يفعل بعض النساء ولا سيما في أول الإسلام حينما كانوا حديثي عهد به ، وأدبهن الله تبارك وتعالى بهذه الآية فقال {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} ، إذن هذه آخر زينة معروفة في زمن الإسلام الأول .
فإذا ما علمنا من الآية السابقة أن الله عز وجل أباح للنساء أن يُظهرن بواطن الزينة وقد عرفن هذه المواطن ينكشف لنا بوضوح ما هي المواضع التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام أبيها وأختها وابن أخيها ثم بالنهاية أمام نساء المسلمات ، إذن عندنا اليد والذراع وإلى قريب من العضد ، ثم عندنا الرأس حيث عليه شيء من الزينة ، والعنق كما ذكرنا ، ثم القدم وشيء من الساق الذي عليه الخلخال ، هذه هي المواطن التي أباح الله عز وجل للمرأة أن تكشفها أمام محارمها وأيضا أمام أختها المسلمة ، والآن كيف يعيش المسلمون في بيوتهم ؟ يعيشون بتعري أشبه ما يكون بتعري النساء اللاتي لا يعرفن دين الله تعالى ، لا أدري ما مبلغ هذا التعري بالبيوت لأنى حديث العهد بذلك ، لكن عندنا بسوريا وفي مصر حدث ولا حرج عن توسع الناس في بيوتهم بالتكشف ، تكشف المرأة عن شيء كثير من بدنها فوق ما أباح الله لها من إظهاره ألا وهو مواطن الزينة فقط ، مثلا قد اُبتلينا باللباس القصير الذي ليس له أكمام ، اللباس الداخلي الذي يسمى بلغة العرب القديمة بالتبال ويُعرف الآن بالشورت القصير ، تلبس الأم والنبت مثل هذا اللباس القصير، فتلبس النبت أمام أمها بل وأمام أختها الشاب الممتلئ فتوة وشهوة فترفع رجلها وتضعها على فخذها فيظهر فخذها مكشوفاً عارياً بحجة ما في حد غريب على أخوها. هذا خلاف الآية السابقة لأن الله ما أباح الكشف عن مواضع الزينة فالفخذان لم يكونا يوما ما مواضع للزينة وعسى ألا يكون ذلك أبدا ، كذلك تخرج المرأة أمام أخيها فضلا عن أنها تخرج أمام أبيها وهي عارية الزندين وهذا خلاف النص السابق ، لا يعد زينتهن إلا لبعولتهن ، وهنا العضدين ليس زينة ، والإبط ليس زينة ، فكل هذا باق على التحريم في حدود تصريح قوله عليه السلام (( المرأة عورة )) .
وأكثر من ذلك مما يقع فتدخل المرأة الأم الحمام وتأمر ابنتها أن تدلك لها ظهرها فتكشف عن ظهرها وثدييها والقسم الأعلى من البدن ولا حرج إطلاقاً ، من أين جاء هذا !؟ مع أن الآية صريحة فإنما أجاز ربنا عز وجل للمرأة أن تكشف فقط مواضع الزينة ، والصدر ليس موضع للزينة ، والظهر ليس موضعا للزينة ، لذلك كان سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- يعيشون في بيوتهم في حدود السترة التي رخص الله عز وجل لهن بها ، فلم يكن هناك هذا التعري الذي فشى اليوم في البلاد الإسلامية .
وأنا أريد أن أذكر بهذا المفهوم الصريح في القرآن وأن نتأدب بأدب القرآن وتؤدب بذلك نساءنا وبناتنا ، ولا نتأثر بالأجواء المحيطة حولنا لأن هذه الأجواء إنما تحاكي تقاليد أوربية تافهة في الغالب ، إذن علينا أن نقف عند هذه الآية { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } ثم قال { ونساءهن } والنساء هنا هن نساء المسلمات ، ولذلك فهنا أدب آخر يجب أن نتنبه له ، وهذا يقع في هذه البلاد التي امتن الله تعالى عليها بالمال الوفير، فقد رأيت هذه البلوى حيث لا نراها في البلاد الفقيرة الأخرى وهي استكثار المسلمين من استخدام النساء الكافرات فضلاً عن الرجال خدماً لهم في بيوتهم ، فتدخل المرأة الخادم الكافرة إلى غرفة المرأة المسلمة وهي كما تقف أمام زوجها ، هذا لا يجوز ، يجب على المرأة المسلمة أن تتحجب أمام المرأة الكافرة كما لو كانت هذه المرأة رجلا مسلماً ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف عن زينتها الباطنة للمرأة الكافرة لأن الله عز وجل إنما أباح لها أن تكشف عن مواضع الزينة للمرأة المسلمة ، ولذلك فلم يكن عبثا قول الله تعالى حين أضاف النساء التي يجوز للمرأة أن تظهر ما معها إلى المسلمات وقال { أو نسائهن } ولم يقل أو النساء فيشمل حين ذا النساء كلهن سواء كن مسلمات أو كافرات ، لم يقل شيء من ذلك وإنما قال { أو نسائهن } ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تتسامح مع الخادمة الكافرة وتظهر أمامها كما تظهر أمام المرأة المسلمة وفي هذه الحدود التي ذكرناها من كتاب الله تعالى .